طوفان-الاقصى-قطاع-غزة.jpg

لا يضرهم من خذلهم

في عام 2005، أعلنت إسرائيل انسحابها من قطاع غزة وإخلاء المستوطنات الإسرائيلية التي كانت موجودة فيها. تمت هذه العملية بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية وبمشاركة دولية، وكانت تهدف إلى تحسين الأوضاع الإنسانية في القطاع وإعطاء الفلسطينيين فرصة لإعادة بناء حياتهم بعيدًا عن الاحتلال الإسرائيلي. ومع ذلك، لا تزال هناك توترات وصراعات في المنطقة بعد الانسحاب، مما يعكس تعقيد الوضع السياسي والأمني في المنطقة.

فبعد أن تولت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) السيطرة على قطاع غزة في يونيو/حزيران 2007، أعلنت إسرائيل في سبتمبر/أيلول 2007 أن غزة أصبحت “كيانا معاديا”، وفي أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام، فرضت عليها حصارًا شاملا. ومن وقتها قامت عدة معارك بين المقاومة الاسلامية وإسرائيل.

فيما يلي أهم الحروب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة منذ فرض الحصار عليه.

عملية الرصاص المصبوب/معركة الفرقان

في الفترة بين عامي 2008 و 2009، شنت إسرائيل عملية عسكرية واسعة النطاق في قطاع غزة، تعرف باسم “عملية الرصاص المصبوب” أو “معركة الفرقان”. بدأت هذه العملية في 27 ديسمبر 2008، واستمرت لمدة حوالي ثلاثة أسابيع، حتى 18 يناير 2009.

وكان الهدف الرئيسي لإسرائيل في هذه الحرب هو “إنهاء حكم حركة حماس في القطاع”، والقضاء على المقاومة الوطنية الفلسطينية و الوصول إلى المكان الذي يحتجز فيه الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط. حيث استخدمت إسرائيل من أجل ذلك أسلحة محرمة دولية مثل الفسفور الأبيض واليورانيوم المنضب. قامت المقاومة الفلسطينية بشن هجمات على الغلاف المحيط بقطاع غزة، حيث أطلقت حوالي 750 صاروخًا. ووصلت لأول مرة إلى مدينتي أسدود وبئر السبع.

2012 عامود السحاب/حجارة السجيل

في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، بدأت إسرائيل حملة عسكرية شنتها على قطاع غزة وسمتها “عامود السحاب”، فيما ردت عليها المقاومة الفلسطينية بمعركة “حجارة السجيل”. استمرت هذه الحرب لمدة 8 أيام.

بدأت المعركة باغتيال إسرائيل قائد كتائب عز الدين القسام أحمد الجعبري وكان هدف إسرائيل هو تدمير المواقع التي تخزن فيها حركات المقاومة صواريخها.

ردت فصائل المقاومة على هذا الاغتيال بأكثر من 1500 صاروخ، تجاوز مداها 80 كيلومترا، ووصلت لأول مرة إلى تل أبيب والقدس المحتلة، بالإضافة إلى ذلك، استهدفت المقاومة طائرات وبوارج حربية إسرائيلية.حيث استشهد نحو 180 فلسطينيًا بينهم العديد من الأطفال والنساء، في حين جرح آلاف آخرون. وفي المقابل، قتل جنديان و4 مدنيين إسرائيليين، وأُصيب المئات بسبب الهلع والصدمة. وتم التوصل إلى اتفاق تهدئة في 21 نوفمبر/تشرين الثاني.

2014 الجرف الصامد/معركة العصف المأكول

في عام 2014، شهدت المنطقة الفلسطينية وإسرائيل جولة جديدة من التوترات والعنف استمرت لمدة 51 يومًا، حيث شنت إسرائيل حملة عسكرية على قطاع غزة أطلقت عليها اسم “الجرف الصامد” ارتكبت خلالها مجازر بحق 144 عائلة. ردت عليها المقاومة الفلسطينية بعمليات صاروخية مكثفة، وهو ما سمي بـ “العصف المأكول”.

اندلعت الحرب بعد أن أقدمت إسرائيل على اغتيال ستة من أعضاء حركة حماس، حيث زعمت أنهم متورطون في اختطاف وقتل ثلاثة مستوطنين في الضفة الغربية المحتلة. وعلى الرغم من أن حماس نفت تورطها في هذه الحادثة، إلا أن هذا الحدث كان من بين العوامل التي أدت إلى اشتعال المواجهات.بالإضافة إلى ذلك، كان من بين أسباب الصراع تصاعد التوتر بعد أن قام مستوطنون بخطف الطفل الفلسطيني محمد أبو خضير وقاموا بتعذيبه وحرقه حتى الموت.

كان هدف اسرائيل من هذة العملية كما صرح بنيامين نتنياهو هو تدمير شبكة الأنفاق التي بنتها المقاومة تحت الأرض في غزة.
وفي إطار الرد على العمليات العسكرية الإسرائيلية، قامت المقاومة الفلسطينية بإطلاق طائرات مسيرة في المجال الجوي الإسرائيلي. فقد استطاعت هذه الطائرات المسيرة أن تخترق الدفاعات الجوية الإسرائيلية دون اكتشافها، مما جعلها تتمكن من التسلل إلى العمق الإسرائيلي لمسافة تزيد عن 30 كيلومترًا قبل أن تتم السيطرة عليها.

كما قامت المقاومة باطلاق أكثر من 8 آلاف صاروخ،ووصلت لأول مرة مدنًا كبيرة مثل حيفا وتل أبيب والقدس. وكان لتأثير هذه الصواريخ دور كبير في إيقاف الرحلات الجوية في مطار تل أبيب نظرًا للتهديدات الأمنية التي فرضتها.

وفي تطور آخر، أعلنت كتائب القسام في 20 يوليو/تموز 2014 أسرها للجندي الإسرائيلي شاؤول آرون، وذلك خلال تصديها لتوغل بري لجيش الاحتلال في حي الشجاعية شرق مدينة غزة. انتهت هذه الحرب باستشهاد 2322 شخصا وإصابة 11 ألف آخرين .

2021 حارس الأسوار/معركة سيف القدس

في معركة “سيف القدس”، التي سمتها إسرائيل “حارس الأسوار”. اندلعت بعد استيلاء مستوطنين على بيوت مقدسيين في حي الشيخ جراح واقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى. أطلقت المقاومة الفلسطينية أكثر من 4 آلاف صاروخ على بلدات ومدن إسرائيلية. مما أسفر عن مقتل 12 إسرائيليًا وإصابة نحو 330 آخرين. أسفرت الحرب عن نحو 250 شهيدًا فلسطينيًا وأكثر من 5 آلاف جريح، وتضمنت قصفاً لعدة أبراج سكنية وتدمير نحو 100 كيلومتر من الأنفاق في غزة. تم وقف إطلاق النار بعد تدخل دولي وساطات.

2022 الفجر الصادق/وحدة الساحات

في أغسطس 2022، تم اغتيال قائد المنطقة الشمالية لسرايا القدس في غزة بواسطة طائرة مسيرة في “برج فلسطين” بحي الرمال. اندلعت هذه العملية في سياق تصاعد التوترات، حيث ألقت إسرائيل القبض على قيادي بارز في حركة الجهاد الإسلامي في جنين. ردت حركة الجهاد وفصائل أخرى بعملية سمتها “وحدة الساحات”، شملت إطلاق مئات الصواريخ على مدن إسرائيلية. أسفرت الحرب عن استشهاد 24 فلسطينيًا وإصابة 203 آخرين بجروح.

2023 طوفان الأقصى/السيوف الحديدية

في السابع من أكتوبر 2023، أطلقت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة عملية “طوفان الأقصى” رداً على استمرار انتهاكات إسرائيل للمسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية في القدس. هذه العملية شملت هجوماً برياً وبحرياً وجوياً وتسلل للمقاومة على عدة مستوطنات إسرائيلية في غلاف غزة. وقد أعلن قائد الأركان في كتائب عز الدين القسام عن أن هذه العملية هي أكبر هجوم على اسرائيل منذ قرون حيث أسفرت عن خسائر جسيمة في صفوف الاحتلال.

في السابع من أكتوبر 2023، هبّت عاصفة من الصواريخ والقذائف على إسرائيل. تمثلت في أكثر من 5000 صاروخ وقذيفة في الـ20 دقيقة الأولى من عملية “طوفان الأقصى”. هذه الضربة القوية استهدفت مواقع ومطارات وتحصينات عسكرية إسرائيلية، وكانت بداية لمسلسل من الاشتباكات.

تمكنت المقاومة الفلسطينية من أسر العديد من الجنود والمستوطنين خلال الاحتفالات الإسرائيلية. كما استولت على عدة مستوطنات ومواقع في الغلاف الحدودي بغزة. حيث جرت العمليات والاشتباكات على 8 مواقع مختلفة، منها معبر بيت حانون (إيريز) وقاعدة زيكيم العسكرية وغيرها.

ردت إسرائيل بإعلان “حالة الحرب” وشنت عملية عسكرية هائلة تعرف باسم “السيوف الحديدية”. بدأت بقصف جوي على غزة مما أسفر عن عمليات ابادة جماعية للمدنيين. وقامت بقطع الكهرباء والمياه والانترنت عن القطاع. وشنت هجومًا بريًا على جميع محافظات قطاع غزة، مما أدى إلى مزيد من الدمار والخسائر بين المدنيين.

ليس هذا فحسب بل قامت بحرب التجويع للشمال ومنعت وصول المساعدات إليهم وإغلاق جميع المعابر والمنافذ المؤدية إليه. وهددت بضرب أي شاحنات إغاثة للقطاع تأتي من مصر عبر معبر رفح. وبالفعل قامت اسرائيل بتنفيذ ما هددت به عدة مرات وكان آخرها ما حدث اليوم حيث منعت ادخال 17 شاحنة مساعدة واجبرتهم على افراغ حمولتها على الأرض. ولحظة وصول المواطنين للحصول على الطعام قام الاحتلال بإطلاق النار صوبهم.

لا يضرهم من خذلهم

بلغ عدد ضحايا العدوان الصهيوني حتى يومنا هذا أكثر من 30631 شهيداو72043 مصابًا . وما زالت الدولة العربية في سبات عميق دون اتخاذ أي إجراءات عدائية ضد إسرائيل. بدلاً من ذلك، تقتصر ردود فعلها على الاستنكارات وإدانات، دون اتخاذ إجراءات فعالة لوقف العدوان الإسرائيلي.

رغم ذلك، تظل غزة مستمرة في المقاومة، والثبات، والصمود، مع الثقة بالنصر القريب بإذن الله تعالى . حيث قامت بتدمير العديد من الأليات العسكرية للعدو مثل الدبابات والجرافات وإسقاط عدد من الطائرات وقيام بعمليات قنص للجنود.

ختامًا:

سيظل السابع من أكتوبر والأيام التي تلته محطة تاريخية تكشف عن فشل النموذج الحالي للدولة العربية، بمختلف أشكال حكمها. وخاصة دول الطوق المجاورة التي برزت عجزًا عميقًا في التصدي أو حتى التلويح بأي تصرف عدائي تجاه إسرائيل. فقد أظهرت الردود الفعلية العربية على تلك الأحداث تخاذلاً وضعفًا مذهلًا، مما يسلط الضوء على الفجوة الكبيرة بين التصريحات الرسمية والأفعال الفعلية.
عجزت دول الطوق المحيطة بإسرائيل، بما في ذلك دول ذات نفوذ إقليمي قوي، عن اتخاذ أي إجراءات جادة أو رادعة اتجاه العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة. فلم تتجاوز الردود إلى حد التصريحات الرمزية بالشجب والإدانة، دون اتخاذ أي إجراءات فعلية تستطيع إحداث تغيير حقيقي.
هذه الواقعة تبرز حجم الفشل والتخبط في السياسات العربية. وتعكس صورة واضحة لضعف العمل العربي المشترك وعجزه عن الوقوف بشكل جاد وحازم في مواجهة التحديات الإقليمية.

المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع إلكترونية

Scroll to Top