في قلب الصراعات التي عصفت بلبنان خلال الحرب الأهلية، برز جيش لبنان الجنوبي كواحدة من أكثر القوى إثارة للجدل في تاريخ المنطقة. تأسس هذا الجيش في السبعينيات، وكان ذراعًا عسكرية مدعومة بالكامل من إسرائيل، حيث شكّل أداة لتنفيذ سياساتها في جنوب لبنان، واستمر في أداء هذا الدور حتى انسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان في عام 2000.
النشأة والتأسيس
تأسس جيش لبنان الجنوبي في عام 1976 كامتداد لميليشيا جيش العشائر بقيادة سعد حداد، وهو ضابط في الجيش اللبناني انشق عن المؤسسة الرسمية بسبب اشتداد الحرب الأهلية اللبنانية. تطورت هذه القوة لاحقًا بدعم إسرائيل، التي رأت فيها فرصة لإنشاء منطقة عازلة تحمي حدودها الشمالية من عمليات المقاومة الفلسطينية التي كانت تنطلق من جنوب لبنان.
في عام 1978، خلال عملية الليطاني الإسرائيلية، أصبح هذا الجيش أداة مركزية لإدارة المناطق التي احتلتها إسرائيل، حيث لعب دور الحليف المحلي لإسرائيل في المنطقة التي عُرفت لاحقًا بـ”الحزام الأمني”.
هيكلية الجيش
- التمويل والتسليح: تولت إسرائيل مسؤولية تدريب وتمويل وتسليح جيش لبنان الجنوبي. كان الجيش مجهزًا بمعدات عسكرية إسرائيلية، وكان يتلقى دعمًا لوجستيًا وتقنيًا مباشرًا.
- التشكيل والتنظيم: ضم الجيش مقاتلين لبنانيين من مختلف الطوائف، لكن الأغلبية كانت من المسيحيين الموارنة، حيث تمركز نشاطه في المناطق الحدودية ذات الأغلبية المسيحية.
- القيادة: تولى أنطوان لحد قيادة الجيش بعد وفاة سعد حداد في 1984، واستمر في هذا الدور حتى انهيار الجيش مع الانسحاب الإسرائيلي.
الدور والمهام
لعب جيش لبنان الجنوبي دورًا مزدوجًا:
- تنفيذ العمليات العسكرية: شارك في التصدي لعمليات المقاومة الفلسطينية واللبنانية التي كانت تستهدف الوجود الإسرائيلي في الجنوب.
- إدارة الحزام الأمني: أدار مناطق واسعة من الجنوب اللبناني، حيث أقام نقاط تفتيش وأدار حياة المدنيين ضمن المناطق الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية.
الاتهامات والجرائم
اتهم جيش لبنان الجنوبي بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك:
- تعذيب الأسرى في معتقل الخيام، وهو مركز احتجاز سيئ السمعة خضع لإدارة الجيش.
- استهداف المدنيين في عمليات قمع المعارضة، حيث كان يُستخدم لتصفية الأصوات المعارضة للوجود الإسرائيلي.
- التعاون مع إسرائيل: وُصف الجيش بأنه أداة للاحتلال الإسرائيلي، مما أفقده أي شرعية داخلية لدى الشعب اللبناني.
السقوط والانهيار
مع تصاعد عمليات المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله، بدأت قوة جيش لبنان الجنوبي في التآكل. وفي عام 2000، قررت إسرائيل الانسحاب من جنوب لبنان، تاركة حليفها في مواجهة مصيره. انهار جيش لبنان الجنوبي بسرعة، وفرّ العديد من عناصره إلى إسرائيل، حيث استقروا هناك بعد تلقيهم ضمانات بالحماية.
إرث جيش لبنان الجنوبي
رغم مرور أكثر من عقدين على تفككه، لا يزال جيش لبنان الجنوبي رمزًا للانقسامات الطائفية والسياسية في لبنان.
- بالنسبة للبعض، يمثل خيانة وطنية، حيث تحالف مع عدو تاريخي للبنان.
- بالنسبة لآخرين، خصوصًا من أنصاره السابقين، يُنظر إليه كقوة دفاع محلية اضطرت للتعاون مع إسرائيل لحماية مصالحها.
الخلاصة
يمثل جيش لبنان الجنوبي نموذجًا معقدًا للتحالفات التي تنشأ في ظل الصراعات الطائفية والسياسية. تجسد قصته كيف يمكن للقوى الخارجية استغلال الانقسامات الداخلية لتحقيق مصالحها. ورغم سقوطه، لا تزال تداعيات هذه التجربة تلقي بظلالها على السياسة اللبنانية والعلاقة مع إسرائيل حتى اليوم.