في تصريح أثار اهتمام الأوساط السياسية، أعلنت الخارجية الروسية أن طالبان أصبحت حليفة لروسيا في مكافحة الإرهاب، في حين رحّبت الإمارة الإسلامية بهذا الإعلان وأكدت عدم السماح لأي “جماعات مخربة” باتخاذ أفغانستان موطئ قدم لها. هذا الإعلان يأتي في وقت حساس، حيث يشهد العالم تحولات في التحالفات الدولية والاقتراب بين الأطراف التي قد تبدو متناقضة في مصالحها.
ولاء وبراء في ضوء الثورة السورية
من الملاحظ أن بعض الغيورين على العقيدة يحاولون تفسير هذا التحالف بين طالبان وروسيا—التي تعتبر عدوّاً للسوريين وحليفة النظام السوري—وفقًا لمعيار جديد للولاء والبراء. هؤلاء يرون في هذا التحالف خطوة غير مبررة من الناحية الدينية، خصوصًا في ظل دور روسيا في الحرب السورية. ولكن في المقابل، نجد أن هناك أطرافًا باركت هذا التحالف، معتبرة إياه نتيجة طبيعية لقوة طالبان وجهادها الطويل ضد الاحتلال الأجنبي.
العلماء وتحليل التحالفات السياسية
العلماء الذين مارسوا الجهاد وفهموا واقعه يدركون حقيقة هذه التحالفات ويضعونها في إطارها الصحيح من الناحية الشرعية. مثل هذه التحالفات قد تثير الجدل، ولكنها في النهاية تخضع لمبدأ “انفكاك جهة”، وهو مبدأ شرعي يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة وتفادي مفسدة الذوبان والاندماج الكامل مع قوى الكفر. في هذه الحالة، تكون المصلحة في تحصيل اعتراف دولي يساهم في نشر مبادئ الإمارة الإسلامية وفرض روايتها على الساحة الدولية.
الأغمار والأغرار
في مقابل هذه الرؤية المتأنية والعلمية، نجد أن هناك صنفين من الأشخاص يتعاملون مع هذه الوقائع السياسية بطريقة سطحية:
- الصنف الأول: وهو من يسكت عن هذه التحالفات دون أن يفهم أبعادها. هؤلاء لا يدركون أصول العلم الشرعي ولا قواعده الكلية، وبالتالي لا يستطيعون تقديم أي رأي في هذه التحالفات.
- الصنف الثاني: وهو من يحفظ معلومات سطحية ويستخدمها لإسقاط حركات مقاومة أخرى مثل حماس. هؤلاء يعتمدون على قياسات فقهية ضحلة ولا يفهمون الفروقات بين السياقات السياسية المختلفة التي تمر بها حركات مثل طالبان وحماس.
طالبان والاستحقاق السياسي
لا يمكن إنكار أن طالبان تمر بمرحلة دقيقة من تاريخها، حيث تسعى لانتزاع اعتراف دولي يساهم في نشر مبادئ الإمارة وفرضها على الساحة الدولية. ولهذا، تكون مثل هذه التحالفات مع قوى كبرى مثل روسيا جزءًا من استراتيجيتها السياسية لضمان وجودها في الساحة العالمية.
الخاتمة
إن التحالف بين طالبان وروسيا، رغم أنه قد يبدو غير مقبول من منظور بعض الغيورين على العقيدة، إلا أنه يجب أن يُنظر إليه في إطار الواقع السياسي الذي تعيشه الإمارة الإسلامية. العلماء المطلعون على الفقه السياسي يعلمون أن مثل هذه التحالفات يمكن أن تكون مبررة إذا كانت تحقق المصلحة الشرعية وتدفع المفاسد الكبرى. أما من يتعامل مع هذه القضايا بسطحية، فهو يضر أكثر مما ينفع.
“اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وفقهنا في ديننا، وجنبنا صحبة السفهاء.”