أخبار العالمسياسةفلسطين

الإبادة المقدسة وصمت الضمير العالمي

The Sacred Genocide and the Silence of the World Conscience

مقدمة

في السابع من أكتوبر، شهد العالم فصلًا دمويًا جديدًا من معاناة الشعب الفلسطيني، خاصة في قطاع غزة، حيث تعرض المدنيون لحملة عسكرية شرسة خلفت آلاف الشهداء والجرحى، وسط تدمير واسع للبنية التحتية. هذه الحرب لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، لكنها أظهرت بوضوح حجم التواطؤ الدولي في دعم آلة الحرب الإسرائيلية تحت غطاء ما يسمى “حق الدفاع عن النفس”.

الجذور الأيديولوجية للإبادة المقدسة

يُعتبر كتاب “الجريمة المقدّسة: الإبادة الجماعية من أيديولوجيا الكتاب العبري إلى المشروع الصهيوني” للمؤلف عصام سخنيني مرجعًا مهمًا لفهم الجذور الأيديولوجية للإبادة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، خاصة في قطاع غزة. يسلط الكتاب الضوء على كيفية استناد المشروع الصهيوني إلى ممارسات الاستعمار الاستيطاني الأوروبي، مستمدًا مبرراته من نصوص دينية لتبرير سياسات الإبادة والتطهير العرقي.

التبرير الديني للإبادة الجماعية

يكشف مقال نُشر في موقع الجزيرة بعنوان “اقتلوهم جميعًا حتى الرُضع منهم: الجذور الفكرية لعقيدة الإبادة الصهيونية” عن كيفية استخدام العقيدة الصهيونية للنصوص الدينية لتبرير عمليات الإبادة الجماعية. يشير المقال إلى تصريحات الحاخام مانيس فريدمان، الذي دعا إلى تدمير الأماكن المقدسة وقتل الرجال والنساء والأطفال والمواشي كوسيلة لردع الفلسطينيين. كما يؤكد الدكتور عصام سخنيني أن الحركة الصهيونية، رغم طابعها العلماني، استغلت الشريعة اليهودية لتحقيق أهدافها الاستعمارية في فلسطين، معتبرة النصوص التوراتية مرجعًا تاريخيًا يجب تكرار أحداثه.

المجازر وجرائم الحرب في غزة

منذ بدء العدوان الأخير، تعرضت غزة لقصف مكثف استهدف المستشفيات، المدارس، والمباني السكنية. لم تميز القذائف بين طفل أو امرأة، ولم تحترم أبسط القوانين الدولية التي تحمي المدنيين وقت الحرب.

  • أرقام صادمة: تشير التقارير إلى سقوط أكثر من 46,000 شهيد، 70% منهم من النساء والأطفال، وإصابة أكثر من 109,000 آخرين بجروح متفاوتة.
  • تدمير شامل: تم تدمير أكثر من 136,000 وحدة سكنية بالكامل، وتشريد حوالي 1.9 مليون فلسطيني من منازلهم.
  • استهداف الصحفيين والمسعفين: قُتل أكثر من 130 صحفيًا منذ بدء الحرب، إضافة إلى استهداف طواقم الإسعاف، مثل القصف الذي طال مستشفى الشفاء، الذي كان ملجأ للآلاف.

منظمة العفو الدولية خلصت في تقرير حديث إلى أن الكيان الصهيوني (إسرائيل) ترتكب جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، مؤكدة وجود أدلة وافية تثبت ذلك (amnesty.org).

دور الولايات المتحدة وبريطانيا في دعم الإبادة

تُعتبر واشنطن ولندن من أبرز الداعمين لإسرائيل عسكريًا وسياسيًا، حيث توفران الغطاء القانوني والمالي لاستمرار العدوان والإرهاب ضد المدنيين العزل.

أميركا: الدعم المطلق للإبادة

  • تقديم أكثر من 3.8 مليار دولار سنويًا كمساعدات عسكرية لإسرائيل.
  • تزويد إسرائيل بأحدث الأسلحة والذخائر، بما في ذلك القنابل الموجهة GBU-39 التي استخدمت في قصف الأبراج السكنية.
  • استخدام الفيتو في مجلس الأمن 45 مرة لمنع أي إدانة دولية لجرائم الحرب الإسرائيلية.

بريطانيا: شريك في الجرائم

  • توريد أسلحة بقيمة 500 مليون جنيه إسترليني لإسرائيل خلال السنوات الخمس الماضية.
  • تبني الرواية الإسرائيلية في الإعلام والسياسة الخارجية، مثل دعم الحكومة البريطانية لمقولة “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” دون الاعتراف بحق الفلسطينيين في المقاومة.
  • استضافة مؤتمرات لدعم إسرائيل وتبرير عدوانها، مثل مؤتمر لندن الذي عُقد في نوفمبر 2023 لدعم التصعيد الإسرائيلي.

الصمت العربي والتواطؤ الدولي

بينما تستمر المذابح، تقف العديد من الحكومات العربية موقف المتفرج، حيث يقتصر رد الفعل على بيانات الشجب والإدانة دون أي خطوات عملية لوقف العدوان. في المقابل، شهدت الشعوب العربية والإسلامية انتفاضات ومسيرات حاشدة تضامناً مع فلسطين، مثل المظاهرات التي خرجت في الرباط، عمان، إسطنبول، وكوالالمبور.

الإبادة كجريمة دولية والتحديات القانونية

تواجه الجهود القانونية لتوصيف الجرائم الإسرائيلية في غزة كإبادة جماعية تحديات عديدة، بما في ذلك التعقيدات القانونية والسياسية (cihrs-rowaq.org). رغم ذلك، تواصل المنظمات الحقوقية الدولية العمل على تقديم أدلة توثق هذه الجرائم أمام المحاكم الدولية، لضمان عدم إفلات المجرمين من العقاب.

الخاتمة: لا عدالة بدون محاسبة

ما يحدث في غزة هو جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، مدعومة من قوى عالمية لا تعبأ بحقوق الإنسان إلا عندما تخدم مصالحها. لكن رغم الألم والمعاناة، يظل الشعب الفلسطيني صامدًا، يقاوم الاحتلال والخذلان، حاملًا راية الحرية حتى تحقيق النصر.

قسم السياسة

قسم السياسة هو نافذتك لتحليل عميق وموضوعي للأحداث السياسية المحلية والعالمية. نسعى لتقديم رؤية شاملة للقضايا السياسية من مختلف الزوايا، مع التركيز على الخلفيات التاريخية، التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية، وآثار القرارات السياسية على حياة الأفراد والمجتمعات. ستجد هنا مقالات تحليلية، تقارير مفصلة، وتعليقات على التطورات الراهنة، بهدف تعزيز الوعي السياسي وتمكين القراء من فهم أعمق للعالم من حولهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى